
صلة إقالة بار بانتهاك وقف إطلاق النار
بالرغم من جنوح الحكومات التي تعاقبت على سلطة «الكيان الصهيوني» -لأكثر من 7 عقود ونصف عقد زمني- نحو التطرف، إلَّا أنَّ حكومات «نتنياهو» تنزلق في هذا المجال بسرعةٍ غايةٍ في الإذهال، وقد بلغ به الشغف بتكريس التطرف إقالة كل متحاشٍ الانغماسَ في تلك الأوحال، وصولًا إلى الإقالة على شبهة اعتدال.
تخلصه المجحف من مناهضي التطرف
«نتنياهو» -بحسب ما نعرف- رمز بارز من رموز التطرف، بل إنه متطرف إلى أبعد الحدود، وليس أدلّ على ذلك من ترؤسه -عام 2005- للمرة الثانية «حزب الليكود» الذي كان في حينه مضرب الأمثال في التطرف واليمينية، وقد شكل ثاني حكومةٍ يترأسها -عام 2009- مع أحزاب يمينية أخرى، تمكن عبر هذه الحكومة المنبثقة عن أحزاب متطرفة ميَّالة إلى المجابهة من التمهيد لصعود اليمين الصهيوني المتطرف إلى الواجهة، ومنذ ذلك صعد «نتنياهو» وحلفاؤه من النبرة الرافضة رفضًا قاطعًا لما نصت عليه مخرجات «أوسلو» لا سيما ما يتعلق بـ«حلِّ الدولتين»، مؤكدًا -بين الحين والحين- على استحالة التعايش مع الفلسطينيين، وفارضًا -إلى جانب إحكام الحصار على سكان «القطاع»- على فلسطينيي «الضفة» و«القدس» وإخوانهم المنتشرين على امتداد الوطن الفلسطيني المحتل من القيود الأمنية والمعيشية ما لا يحتمل، متسببًا بذلك التعامل الاحتلالي الأقسى تفجر «طوفان الأقصى».
وبالرغم من أنه يعتبر -بالنظر إلى تصلب مواقفه وعدوانية أعماله- مسؤولًا عن الفشل في التنبؤ بتفجر ذلك الطوفان المزلزل مسؤوليةً كاملة، فقد أنحى باللائمة -ومعه الوزراء الأشد تشددًا في تحالفه لأجندته المتطرفة- على القيادات العسكرية والأمنية الأكثر اعتدالًا والأطول تجربة، لمجرد معارضتهم استمرار حربه إلى ما لا نهاية، وميلهم إلى التفاوض مع حركة «حماس» على إبرام «اتفاق وقف إطلاق نار» يفضي إلى إطلاق سراح الأسرى قبل تعرض أيٍّ منهم للقتل أو الموت جرَّاء نقص العناية، على اعتبار أنَّ الحرب وسيلة وليست غاية.
وقد أدت قرارات «نتنياهو» المتسرعة والمجحفة المنطلقة من توجهات يمينية متطرفة إلى استقالة عضو مجلس الحرب «بيني غانتس» وعضو الحكومة «جادي آيزنكوت» في يونيو 2024، تلت تينك الاستقالتين إقالة الجنرال «يوآف جالانت» وزير الدفاع عضو «مجلس الحرب» واستقالة الجنرال «هرتسي هاليفي» رئيس أركان الجيش الصهيوإسرئيلي في الـ5 من نوفمبر 2024 وفي الـ21 من يناير 2025 على التوالي، وقد استبدلا -بأسلوب تعيين متعجرف- بمسؤولَين آخرَين محسوبَين على التيار اليميني المتطرف.
أما آخر ضحايا تلك الإقالات والاستقالات الناتجة عمَّا يشبه الإكراه أو الإجبار فهو الجنرال «رونين بار» الذي أصاب حدثُ إقالته المسيَّسُ المشهدَ السياسي الصهيوإسرائيلي بالإرباك.
معاقبة «بار» على إنجاح وقف إطلاق النار
«رونين بار» رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» مشهود له في الأوساط الصهيونية بالكفاءة والمهنية، ووجه الخلاف الوحيد بينه وبين «نتنياهو» الذي يصر على إقالته -في هذه الأثناء- متصادمًا تصادمًا فجًّا مع سلطة القضاء ميولُه العلمانية وإعراضه عن تطرف الصهيونية اليمينية، فقد قال مدير جهاز الأمن العام الأسبق «يعقوب بيري لبي» -بحسب ما ورد في سياق تقرير «مهند توتنجي» التفصيلي الذي نشره موقع «BBCعربي» في الـ17 من مارس الجاري-: (إنَّ إقالة رئيس الشاباك الحالي رونين بار، قد تزعزع استقرار الجهاز الأمني، واعتبر الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ضد بار "غير صحيحة" وكاذبة، وأنه شخص نزيه وله قيمة كبيرة في الجهاز).
أما السبب المباشر لإقالة «رونين بار» -وبصرف النظر عمَّا لفق له مكتب «نتنياهو» من اتهامات- فترتبط ارتباطًا جذريًّا بما حققه الجنرال أثناء قيادته فريق المفاوضات من نجاحات أفضت -خلافًا لدموية وزراء الصهيونية الدينية الذين يدفعون بـ«دولة الكيان» نحو الانتحار- إلى الإفراج عن عدد كبير من الأسرى، واختطت المسار لاستدامة وقف إطلاق النار وفق مراحل مزمنة والعودة بطرفي النزاع إلى حياة مستقرة وآمنة، فأدى نجاح تلك المفاوضات في إيقاف عملية التقاتل وفتح آفاقٍ رحبة نحو التوصل -في الصراع الفلسطيني الصهيوني- إلى حلٍّ جذريٍّ وشامل، بالإضافة إلى ما رافق عمليات تسليم وتسلُّم الأسرى من أصداء- إلى إحراج رئيس الوزراء، وضيَّق -أمامه- هامش التلاعب بالوسطاء، وحرمه من الذرائع التي يتذرع بها -عادةً- للتنصل من التزاماته بعد أن تصير «تحصيل حاصل»، حتى لم يعُدْ يجد منها -لتبرير استئناف الحرب- سوى التذرُّع برفض «حماس» مقترحات مبعوث «ترامب»، وقد نوَّه «بار» إلى تلاعبات «نتنياهو» المتكررة أكثر من مرة، وذلك ما يفهم من استهلال التقرير الإخباري المعنون ["أزمة ثقة".. كيف علقت حماس على إقالة رئيس الشاباك؟] الذي نشرته «سكاي نيوز عربية» يوم الجمعة الـ21 من مارس الحالي الاستهلال التالي: (علقت حركة حماس -اليوم الجمعة- على قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإقالة رئيس جهاز الأمن العام {الشاباك} رونين بار.
وقالت الحركة: "إنَّ تصريحات بار تكشف تلاعب نتنياهو المتعمد بملف المفاوضات، وسعيه لإفشال أيِّ اتفاق، ثم تعطيله بعد التوصل إليه، لأهدافه السياسية الخاصة".
ويبدو أنَّ حماس كانت تشير إلى اتهامات وجهها بار لنتنياهو بإفشال المفاوضات التي كانت تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من قطاع غزة.
وأضافت الحركة: "هذه الاعترافات من داخل قيادة الاحتلال تؤكد أنَّ نتنياهو كان ولا زال هو العائق الحقيقي والماثل أمام أية صفقة تبادل").